مسعى يمني جديد لتعزيز العلاقات مع دولة قطر، هذه المرة من بوابة اللجنة الوزارية المشتركة بين البلدين، والتي توقفت عن الانعقاد منذ العام 2013، حيث بحث ذلك وزير الخارجية اليمني مع رئيس الوزراء وزير الخارجية القطري في الدوحة.

ففي مكتبه بالديوان الأميري، التقى الشيخ محمد بن عبدالرحمن آل ثاني، بالوزير أحمد بن مبارك، حيث جرى مناقشة إمكانية تفعيل اللجنة الوزارية المشتركة، وكذا تفعيل آليات التشاور السياسي ومنح تسهيلات لليمنيين المقيمين في قطر.
زيارة وزير الخارجية اليمني إلى الدوحة، تأتي عقب عامين ونصف من عودة العلاقات بين البلدين، بعد قطيعة استمرت ثلاث سنوات، إثر انحياز اليمن إلى جانب الدول الأربع في أزمة يونيو 2017، وإعلانها قطع العلاقات مع قطر.
وبالرغم من تعيين اليمن سفيراً لها لدى قطر، أواخر نوفمبر من العام 2021، إلا أن الأخيرة لم تبادلها نفس الخطوة حتى اللحظة، فهل ستفضي هذه الزيارة إلى استئناف النشاط الدبلوماسي لسفير قطر لدى اليمن؟.

أجندة الزيارة

ليس ثمة تفاصيل دقيقة حول طبيعة المباحثات والأجندة التي حملها الوزير اليمني إلى الدوحة، لكن سفير اليمن لدى قطر، راجح بادي، أكد الإثنين 28 أغسطس، أن الزيارة تهدف لبحث أوجه التعاون والدعم القطري للحكومة اليمنية سياسياً واقتصادياً وإنسانياً وخدمياً.
ولفت في تصريحات لصحيفة "العربي الجديد"، إلى أن قطر أصبحت دولة مهمة في الإقليم وفي العالم، وأن علاقتها باليمن متينة، وأن هناك حاجة لتعزيزها.

أولويات تمويلية

الحاجة الاقتصادية، تقف وراء زيارة الوزير اليمني إلى الدوحة، من وجهة نظر الكاتب والمحلل السياسي اليمني ياسين التميمي، الذي أشار لـ"الخليج أونلاين"، إلى أن الزيارة ترتبط بشكل أساسي بأولويات الحكومة اليمنية الاقتصادية والتمويلية.
وأضاف التميمي: "كون وزير الخارجية هو من يقوم بهذه الزيارة، فأعتقد أنها في شقها التمويلي، ترتبط بدعم قطر للسلك الدبلوماسي اليمني، وقد تنظر في ملفات أخرى، لها علاقة بالبند التمويلي والتعاون الاقتصادي مع الدوحة".
وفي الشق السياسي للزيارة، قلل الكاتب اليمني من إمكانية استدعاء تدخل قطري في ظل وجود ملف الأزمة اليمنية والتهدئة بيد السعودية، بالرغم من أن لدى الحكومة اليمنية رؤية للتهدئة والانخراط في محادثات الهدنة، مع المتمردين الحوثيين.
وقال التميمي: "أي تحرك قطري على مستوى الإقليم وعلى خليفة الأزمة اليمنية، لا أعتقد أن يأتي بناء على دعوة من الحكومة اليمنية، بقدر ما يعكس رغبة الحكومة السعودية، كونها الأكثر تأثيراً على الساحة اليمنية، ولهذا أنا أرجح الأولويات الاقتصادية والتمويلية التي تقف خلف هذه الزيارة".

عودة العلاقات

في أزمة يونيو 2017، كان الموقف اليمني منسجماً مع موقف الدول الأربع (السعودية والإمارات والبحرين ومصر)، وأيدت الحكومة اليمنية حينها إنهاء مشاركة قطر في حرب استعادة الشرعية، التي كانت مشاركة فيها منذ انطلاقتها في 26 مارس 2015.
وبعد ثلاث سنوات من القطيعة، زار وزير خارجية اليمن بن مبارك الدوحة، مطلع مارس 2021، بعد شهرين من انتهاء الأزمة الخليجية بإعلان العُلا، الذي تضمّن مبادئ عودة العلاقات، وانتهاء الأزمة بالكامل.
حينها اتفق وزيرا خارجية اليمن ونظيره القطري، على عودة العلاقات، وتنسيق المواقف إزاء التطورات السياسية على الساحة الإقليمية والدولية.
وفي 15 يونيو 2022، عقد رئيس مجلس القيادة اليمني، رشاد العليمي، لقاءاً بأمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، في أول زيارة له إلى الدوحة منذ إعادة العلاقات بين البلدين.

ماذا عن السفير القطري؟

في نوفمبر من العام 2021، عينت اليمن راجح بادي سفيراً لها، عقب استئناف العلاقات بين البلدين، لكن ومنذ ذلك الحين، لم تتخذ قطر أي خطوة مماثلة في هذا الاتجاه، بينما تتجه الأنظار حالياً إلى ما يمكن أن تفرزه مباحثات وزير الخارجية اليمني مع نظيره القطري في الدوحة.
وحول ما إذا كانت قطر ستعين سفيراً لها لدى اليمن، قال الكاتب ياسين التميمي لـ"الخليج أونلاين"، إنه من المفترض أن يتم ذلك، "لكنه في النهاية سيمارس صلاحياته من الرياض"، حسب قوله.
وتوقع التميمي، أن مسألة تعيين السفير ليست أولوية قطر في هذه المرحلة، مضيفاً: "لم يحدث شيء يمكن أن يدفع دولة قطر إلى إعادة تعيين سفيرها لدى اليمن، خصوصاً إذا لم يكن للدوحة دور محوري وأساسي في تحريك عملية المفاوضات من أجل تحقيق السلام".

انكفاء قطري

كان لقطر دور مهم في التوسط بين حكومة الرئيس اليمني الأسبق علي عبدالله صالح، والمتمردين الحوثيين، خلال الحروب الست (2004 - 2010)، واستمر هذا الدور إلى ما بعد الحراك الشعبي الذي أطاح بصالح في فبراير 2011، لكن هذا الدور انكفأ للمرة الأولى بعد انسحاب الدوحة من المبادرة الخليجية، في مايو 2011.
ثم جاء الانكفاء الثاني، عقب انسحاب قطر من تحالف دعم الشرعية، في يونيو 2017، وبعد عام واحد من خروجها من التحالف وتحديداً يونيو 2018، قال وزير الخارجية القطري إن بلاده لا تدعم موقف إيران أو موقف التحالف العربي في اليمن.
وخلال فترة الأزمة الخليجية، اقتصرت المواقف القطرية على بعض البيانات المطالبة بإنهاء الحرب والجنوح للسلام، وبعد المصالحة أصبح لقطر حضور أكبر في الجانب الإنساني والإغاثي.

دعم إنساني

فبالرغم من توقف قنوات التواصل الدبلوماسي بسحب السفراء بين البلدين، بين عامي 2017 و 2021، إلا أن الجهد الإنساني القطري لم يتوقف، وظلت الجمعيات الخيرية، خصوصاً "قطر الخيرية"، تقدم مساعدات في مختلف المحافظات اليمنية.
وفي 21 يوليو من العام 2021، وجه أمير قطر بتخصيص 100 مليون دولار دعماً لجهود برنامج الأغذية العالمي في اليمن، ثم في نوفمبر 2021، وقعت الدوحة اتفاقية مع البرنامج لإغاثة 7 ملايين يمني بتكلفة 90 مليون دولار.
كما وقعت المنظمة الدولية للهجرة في أواخر يناير 2023، اتفاقاً مع قطر الخيرية، لتقديم المساعدات المالية السريعة للأسر الضعيفة في اليمن، بينما أطلق الهلال الأحمر القطري مشروعاً لدعم الأسر النازحة في اليمن، بهدف تحسين معيشة مئات الأسر في محافظات عدن وأبين ولحج.
وقبيل قطع العلاقات بين البلدين، بأشهر قليلة، وتحديداً في يناير 2017، أعلنت الحكومة اليمنية حصولها على منحة كهرباء قطرية، تقدر بنحو 60 ميغاوات، لرفد محطات توليد الطاقة في عدن، وفقاً لوكالة الأنباء اليمنية "سبأ".
وخلال الحروب الست، تبنت قطر خيار الوساطة بين الحكومة اليمنية والمتمردين الحوثيين، وتردد حينها أن الدوحة أبدت استعدادها لإعادة إعمار ما خلفته الحرب في محافظة صعدة (شمال اليمن)، إلا أن استمرار الحرب والخلاف حال دون تنفيذ المشروع.