كتب خالد ابو شقرا في "نداء الوطن":



 لا يختلف اثنان على أن زيادة الدولة لإيراداتها من خلال الضرائب على الأفراد والمؤسسات هو حق سيادي. لا وجود لدولة من دون جباية تموّل النفقات التشغيلية والإستثمارية وتكون أداة للسياسة الإقتصادية. إلا أن أخطر ما يواجه هذا الحق في الدول المتخلّفة، ومنها لبنان، هو استعماله للباطل. فيتحول وسيلة تثقل كاهل الأفراد والقطاعات المنتجة، وتصب في مصلحة السارقين.
الخبير الإقتصادي ورئيس "المعهد اللبناني لدراسات السوق" د. باتريك مارديني يعتبر أن "احتساب الربح بحسب سعر صرف السوق، فيما العمليات بين التجار تحتسب على أساس سعر 1500 ليرة، سيُظهر أن الشركات تحقق أرباحاً خيالية خلافاً للواقع، وستكون الضريبة عليها مرتفعة جداً". من هنا فان "المشكلة الآنية التي ستزيد من معاناة الشركات والأفراد وترهقهم، سببها تعدد أسعار الصرف"، بحسب مارديني. "أما المشكلة البنيوية في الإقتصاد فتتمثل في ارتفاع نسبة الضرائب وضرورة تخفيضها وليس زيادتها". والحل لهاتين الإشكاليتين من وجهة نظره يكون بـ"إقرار الدولة بسعر صرف السوق، والتخلي عن سعر 1500 ليرة الوهمي، والانتقال في المرحلة الثانية إلى الإصلاح الضريبي باتجاه تخفيض الضرائب من أجل تحفيز الشركات على البقاء. فالشركات تقفل الواحدة تلو الأخرى وتسرّح موظفيها. وخروجها من السوق لا يشكل خسارة للاقتصاد والإستثمار وفرص التوظيف فحسب، إنما لإيردات الدولة التي ستتراجع بشكل متوازٍ مع اقفال المؤسسات وارتفاع أعداد العاطلين عن العمل. من هنا يرى مارديني أن "مراجعة النظام الضريبي وتخفيض نسب الضرائب وتوجيهها بشكل عادل، هو المطلوب للمحافظة على ما تبقى من شركات وايرادات للدولة. وهذا بالطبع لن يتحقق بزيادة الضرائب بشكل مباشر أو غير مباشر مع الإبقاء على تعدد أسعار الصرف".
الإنتقال رسمياً إلى سعر الصرف العائم، والتخلي عن السعر الرسمي هو حل محاسبي وقانوني منطقي للعمليات التجارية بشكل عام، وللنظام الضريبي بشكل خاص. إنما في المقابل يثير مثل هذا التدبير الخشية من زيادة الأعباء المالية على الأفراد والمؤسسات. إذ لن تعود هناك خدمات مثل (الانترنت والكهرباء والضرائب والرسوم والقروض والايجارات...) مسعّرة على أساس 1500 ليرة للدولار كما هي اليوم، وستسعّر هذه الخدمات مثلها مثل بقية السلع والخدمات الأخرى بسعر صرف السوق. الامر الذي يرفع كلفتها بشكل كبير جداً ويحرم المواطنين منها، خصوصاً إن لم تترافق مع إصلاحات في الرواتب والأجور. إلا أنه في المقابل يرى مارديني أن كل الخدمات التي ما زالت تقدم على أساس 1500 ليرة مهددة بالإنقطاع وستفقد كلياً في يوم ليس ببعيد. حيث من المستحيل على المؤسسات الصرف على أساس سعر السوق وتقاضي بدل خدماتها على أساس 1500 ليرة. وعليه هناك خياران إما وضع الخدمات على أساس 1500 ليرة وهمي، وفقدانها أو تحولها إلى سوق سوداء بقيمة أعلى من القيمة الحقيقة لها، وإما اعتماد سعر السوق وفسح المجال أمام استمرارية الشركات. وعن ضرورة تعديل الرواتب والأجور قبل الدخول في مثل هذا الخيار وتحديداً لموظفي القطاع العام، يعتبر مارديني أن "زيادة الرواتب مرتبطة بانتاجية الموظفين وبالفائض المحقق في الموازنة العامة. فاذا كانت الدولة تعاني من عجز في الموازنة العامة فلن تستطيع زيادة الرواتب. وهذا ما يأخذنا مباشرة إلى ضرورة ترشيق القطاع العام واستئصال فائض الموظفين غير المنتجين والذين دخلوا بالآلاف بالواسطة والمحسوبيات والتنفيعات الانتخابية ومن بعدها يصبح خيار تعديل الرواتب أمراً منطقياً ومقبولاً.