يزدحم الحوض الشرقي للبحر المتوسط بجيوسياسيات عديدة وتكتيكات متغيرة وتحديات ظرفية كثيرة ترافقها بشكل مواز وقائع الأمور , حيث أن التوترات المتنامية والمشكلات اللامتناهية , والصراعات المعلقة من دون الحلول , والدائرة في منطقة الشرق الأوسط وبشكل خاص بالحوض الشرقي للمتوسط بدوله المترنحة وفي آسيا وأوروبا , والتي لها بشكل حكمي وطبيعي تداعيات هامة تنعكس مباشرة على شكل تحديات مثيرة على أسواق الطاقة.
فمن المرجح أن يكون لضعف الحدود وزيادة التدخل الأجنبي في هذه الصراعات تأثيرات سلبية على الاستثمارات وعلى مسير التحديات في المنطقة , وخاصة في قطاع الطاقة 
فلا خلاف ولا جدال ابدا بشأن تقصير الأرقام المتعلقة بأسواق الطاقة ومن صعوبة التنبؤ بها لديناميكيتها الرشيقة , فهي على هذا المنوال دائما , ولكن التحولات السياسية والتغييرات المناخية وصعود نجم المواد الهيدروكربونية ( مركبات الهيدروجين والكربون في حالتها السائلة أو الغازية) غير التقليدية , بالاضافة الى ظهور أنواع جديدة ونوعية للطاقة المتجددة , كلها أمور تشير وتدلنا بحصرية تامة الى حدوث تغييرات نوعية في النطاق العملي لتحديات الطاقة , وهي تحديات مختلفة وبعيدة كليا عن تلك التي تنشأ من جراء التفاعل الحيوي المعتاد بين العرض والطلب والأسعار , والمتصلة بشكل وثيق بالتداول اليومي الاقتصادي وسلم الأرقام وأسهم البورصات . هنالك قلق كبير من احتمال حدوث انهيار آخر في قدرة الدولة على التنظيم في جميع أنحاء المنطقة , واذا ما تفلتت السلطات وتحررت لسبب معين بالذات أو لشكل محدد بطبعه واضحت هي نفسها أقوى من مستوى الدولة يكون لدينا مشكلة في تماسك الدولة وقرارها , لأن غالبا ما تجد المؤسسات المركزية صعوبة في استعادة زمام الأمور بوقت سريع , علما بأنه من غير المرجح أن يتخلى الفاعلون غير الحكوميين مثل القطاع الخاص ومكانة ونفوذ الشركات المتعددة الجنسيات , فمن المستحيل ان يتم التفادي عن القوة والنفوذ المستحوذ عليه حديثا وهذا حكما ما يؤثر سلبا على مناخ الاستثمار, اذا ما طبقت الشروط المناسبة وبالطبع على آفاق النمو الاقتصادي ويؤدي أيضا الى تحد من نوع آخر .
فاذا توسعنا قليلا بمسألة الأمن وكيفية معالجتها فيمكننا القول بأنه من غير المرجح أن تتخلى الولايات المتحدة عن دورها الرائد للصين أو حتى لغيرها من الجهات الفاعلة , فهناك على ما يبدو استراتيجية ممكنة لحفظ التوازن من شأنها الابقاء على نفوذ الولايات المتحدة الاميركية ونشاطها قويا , ولكن مع تواجد عسكري أقل لها في المنطقة .
لقد أسهمت مبادرة ” الحجم الصحيح ” في تعزيز التصور سواء كان صحيحا أم لا في انسحاب الولايات المتحدة على المدى الطويل , وهذا رأي نال المزيد من الدعم بسبب زيادة ثقة الولايات المتحدة في موقفها من الطاقة .
فعلى مستوى التحديات وخصوصا في مجال الطاقة المتجددة هنالك امكانية كبيرة لزيادة حصتها من الطاقة المائية والشمسية ويمكن أيضا توسيع توليد الطاقة الكهرمائية رغم أن ذلك يحتاج ويعتمد استراتيجيا على التوافق السياسي والصراحة ومبدأ النوايا الحسنة والمفاوضات الشفافة والشراكات , وهو أمر معقد لحد كبير لغياب نماذج الحوار والتعاون المصلحي فيما بين الدول وبالاضافة الى وجود تعقيدات حتى داخل الدول ذاتها أيضا .
نستطيع أن نذكر هنا بثلاث أحداث رئيسية ساهمت بمتغيرات جيوسياسية مؤسسة ومؤثرة وهي:
1-التطور الواسع النطاق لخاصية الغاز والنفط الصخري وتطوره الملحوظ وآثاره الكبيرة على أسواق الطاقة العالمية .
2-الربيع العربي والذي أدى الى انهيار الأنظمة الكلاسيكية في منطقة الحوض الشرقي للمتوسط والشرق الأوسط وافريقيا , والتي ما زالت تبعاته تتوالى بديناميكيات جديدة للعلاقات بين الدول. 3-انخفاض الطلب على الطاقة والتأرجح في سعر النفط وتداعياته المباشرة على المستوى الانتاج والاستهلاك .
وهنالك استراتيجية تطبقها في الكثير من الأحيان البلدان المصدرة والمستوردة للطاقة وهي حماية طرق الوصول الى مصادر متنوعة من العرض والتسويق أيضا , أي بالائتمان الى أسلوب التنويع عمليا ونمطيا , حيث أن التنويع استراتيجية تعمل بها دول متعددة , لذلك تكمن هذه الاشكالية في لب هذه الديناميكية , ما اذا كانت دول الحوض الشرقي للمتوسط ستتحرك أو بوسعها أن تتحرك لأبعد من مجرد اقامة علاقة تجارية أو تبادلية صرفة .
فيتم تطوير مصادر وقود بديلة في مناطق مختلفة من العالم وفي منطقة الحوض الشرقي للمتوسط بشكل خاص , فالشرق الأوسط وشمال افريقيا لديهم امكانات كبيرة للطاقة المتجددة , حيث تحاول بعض الدول الاستفادة من هذه الامكانية , وتحاول دول أخرى الاستفادة من هذه الامكانيات وتحاول دول أخرى الاستفادة من امكاناتها من النفط والغاز غير التقليدية , مستلهمة بعض الشئ من التطورات الأميركية والأوروبية , ويتوقع أن تستغرق هذه التطورات بكليتها وقتا طويلا , وذلك نظرا للعوائق الهيكلية والتكاليف المتوقعة والجغرافيا والجيولوجيا الفريدة من نوعها في كل بلد على حدة .
يشهد الطلب على الطاقة من الحوض الشرقي للمتوسط وشمال افريقيا نموا سريعا وذلك بسبب النمو السكاني والتنمية الاقتصادية واستمرار الأسعار المنخفضة وعليه فان كثافة الطاقة تتزايد في هذه المنطقة وهي أن كانت تتناقص في بقية أنحاء العالم وهذا لوحده تحدي , وفي الوقت نفسه هنالك فرصا كبيرة لخفض الطلب مثل اصلاح الدعم وزيادة كفاءة استخدام الطاقة .