رغم أن الفريق أول عبد الفتاح البرهان، الذي قاد استيلاء الجيش على السلطة الاثنين، أعلن عن نيته التوجه في نهاية المطاف إلى إجراء انتخابات وحكومة مدنية، فإن صحيفة "لوس أنجلس تايمز" الأميركية، رجحت استمرار سيطرة القوات المسلحة على البلاد.

وعزت الصحيفة تحليلها إلى أن البرهان لديه حلفاء في الدول الخليجية، فضلا عن قائد شبه عسكري يملك السيطرة على قوات الدعم السريع، وهو محمد حمدان دقلو الملقب بـ"حميدتي"، والذي كان يشغل منصب نائب رئيس مجلس السيادة قبل حله. 
اكتسب البرهان شهرته عندما أطاح هو وغيره من كبار الجنرالات بعمر البشير في عام 2019، تحت ضغط من المظاهرات الجماهيرية ضد حكم مستبد دام 30 عاما، جاء بانقلاب أيضا في عام 1989. 
وظل البرهان (61 عاما)، في السلطة لعدة أشهر حتى أجبرت الضغوط الدولية الجيش على التوصل إلى اتفاق لتقاسم السلطة مع المتظاهرين. أدى ذلك إلى إنشاء مجلس سيادي مدني عسكري مشترك برئاسة البرهان كان من المفترض أن يحكم السودان حتى الانتخابات المقرر إجراؤها في عام 2023.
كان الاتفاق على أن يتولى المكون العسكري رئاسة المجلس السيادي نصف مدة ثلاث سنوات تقريبا، على أن يتولى المكون المدني رئاسة المجلس للفترة المتبقية. 
وجاء استيلاء الجيش على السلطة قبل أسابيع فقط من الموعد المقرر لاستبدال البرهان كرئيس للمجلس السيادي، بمدني آخر من الأعضاء. ووعد بتسليم الجيش السلطة بمجرد انتخاب الحكومة في يوليو 2023.
وأتت وعود البرهان، في وقت كان الجيش قد اعتقل العديد من وزراء الحكومة بالإضافة إلى رئيسها عبدالله حمدوك قبل إعادته إلى منزله محاصرا بقوة أمنية مشددة، في ظل الضغوط الدولية، لكن تم تكثيف عمليات إيقاف النشطاء والمتظاهرين الذين خرجوا إلى الشوارع تنديدا بالخطوات العسكرية. 
"دعم مصري وخليجي"
في الأعوام الأخيرة، تلقى البرهان دعما من مصر، التي يقودها جنرال أيضا تحول إلى رئيس. وتدرب البرهان في الكلية العسكرية المصرية في فترة من حياته. 
كما تلقى البرهان، دعما من دول الخليج، ولا سيما الإمارات العربية المتحدة، حيث قام بزيارات متعددة منذ عام 2019 إلى ولي عهد أبوظبي الشيخ محمد بن زايد آل نهيان. 
وفي إشارة إلى الدور الحاسم وراء الكواليس لدول الخليج، تحدث وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكين مع وزير خارجية السعودية الثلاثاء. وقال بيان للخارجية إن كلا الدبلوماسيين نددا بالاستيلاء العسكري على السلطة.
وفيما نددت معظم الدول بالخطوات العسكرية الأحادية، تجنبت مصر وبعض دول الخليج انتقاد خطوات البرهان ودعت بدلا من ذلك إلى الهدوء وضبط النفس. 
ونقلت الصحيفة عن كاميرون هدسون، المسؤول السابق في وزارة الخارجية في مركز إفريقيا التابع للمجلس الأطلسي، أن دول الخليج تفضل ما حدث عن أن تسيّر البلاد حكومة ديمقراطية ، "حيث يخشون من نجاح الربيع العربي"، في إشارة إلى انتفاضات 2011. 
"حليف قوي في الداخل"
ليست دول الخليج ومصر التي تقف خلف البرهان فقط، فقد ركزت الصحيفة على دور "حميدتي"، قائد قوات الدعم السريع، وهي وحدة شبه عسكرية تضم عشرات الآلاف من المجندين، انبثقت عن ميليشيات الجنجويد التي دعمها نظام البشير واشتهرت بارتكاب فظائع وعمليات اغتصاب أثناء نزاع دارفور.
وبحسب الصحيفة، فقد "كان عناصر قوات الدعم السريع بارزين في انقلاب الاثنين، حيث شاركوا في اعتقال حمدوك وغيره من كبار المسؤولين وإغلاق الشوارع". 
وقال كبير المستشارين في "Sentry"، وهي مجموعة تحقيقات وسياسات تركز على جرائم الحرب في أفريقيا، سليمان بالدو، إن القوة هي في الواقع "جيش موازٍ بحكم الأمر الواقع يضم عشرات الآلاف من المقاتلين الذين خضعوا للاختبار في المعارك".
وتربط البرهان علاقة طويلة مع حميدتي، حيث "كان البرهان قائدا في دارفور حيث شن الجيش السوداني وقوات الدعم السريع حملة وحشية لسحق التمرد، ما أدى إلى مقتل ما يصل إلى 300 ألف شخص وتشريد 2.7 مليون إنسان"، بحسب بالدو. 
وفي عام 2015، نسق البرهان وحميدتي نشر القوات السودانية ومقاتلي الدعم السريع في اليمن للقتال مع التحالف الذي تقوده السعودية ضد المتمردين الحوثيين المتحالفين مع إيران. وتلقت قواتهم مدفوعات ضخمة من السعوديين والإماراتيين، مما أدى إلى بناء علاقات بين هذين البلدين والزعيمين.
في الانتفاضة ضد البشير، رفض البرهان وحميدتي أوامر تفريق المتظاهرين بعنف، بل التقيا بهم في معسكر الاعتصام الذي كان قد بدأ امام مقر القيادة العامة للقوات المسلحة في السادس من أبريل. ومن وراء الكواليس، شجعتهم مصر والسعودية والإمارات على عزل البشير، وهو ما فعلوه في 11 أبريل. 
إخلاف الوعود
لكن الاحتجاجات استمرت بعد سقوط البشير مع مطالبة الجيش بالتخلي عن السلطة. وفي الثاني من يونيو 2019، هاجمت قوات الأمن ومقاتلي الدعم السريع المعتصمين أمام مقر القيادة العامة للقوات المسلحة في الخرطوم، و أدى ذلك، حسب الصحيفة الأميركية، إلى مقتل أكثر من 100 شخص، واغتصب الجنود عشرات النساء، ما لطخ صورة الرجلين في أعين المتظاهرين.
ونقلت الصحيفة عن عثمان ميرجاني، وهو كاتب عمود ومحرّر صحيفة التيار اليومية في الخرطوم قوله إن البرهان "كان مسؤولا عن فض الاعتصام، لأنه كان القائد، ووعد بعدم فض الاعتصام ثم حدثت مجزرة. منذ تلك اللحظة، أدرك الناس أنه لن يفي بوعوده".
وعد البرهان الذي لم يف به في 2019، خيم من جديد على وعوده بالحكم المدني بعد حل المؤسسات الانتقالية وإعلان حالة الطوارئ، حيث يرى بالدو، أن البرهان وحميدتي، عازمان على البقاء في السلطة بعيدا عن أي إشراف مدني، مشيرا إلى أنهما قلقان أيضا "بشأن المحاسبة على الجرائم الفظيعة التي ارتُكبت تحت إمرتهم، سواء في دارفور أو فض الاعتصام وما حدث فيهما من جرائم قتل واغتصاب.