أطلقت شبكة "نتفلكس" سلسلة Criminal (مجرم) لسرد مجموعة قصص من أربع وجهات نظر مختلفة. تُركّز النسخة البريطانية على ضباط يستجوبون عدداً من المشتبه بهم لحل الجرائم، وهي من بطولة مواهب بارزة مثل ديفيد تينانت وهايلي أتويل. تعرض كل حلقة قصة مختلفة وتشمل مجموعة كبيرة من الشخصيات. يستطيع المشاهدون أن يقتنعوا ببراءة المتّهمين أو يتأكدوا من ذنبهم استناداً إلى تصرفاتهم خلال الاستجواب، ومعنى لغة جسدهم، والكلمات التي يستعملونها لوصف الضحايا وتفاصيل أخرى، والمواقف التي تجعلهم يعترفون بالحقيقة.



تبدأ النسخة البريطانية مع قضية مريعة ومشتبه به لا يمكن التأكد من براءته مع مرور الوقت. سنتعرّف على الدكتور "إدغار فالون" في غرفة الاستجواب، حيث يكتفي في البداية بقول عبارة "لا تعليق". يواجهه رجال الشرطة بجميع المعلومات التي يملكونها ضده، لكنهم يجدون صعوبة في انتزاع كلمة مفيدة من فمه. على مر نصف حلقة تقريباً، يرفض "فالون" التفوه بأي كلمة بناءً على توصيات محاميه. حتى أنه يحافظ على هدوئه طوال فترة استجوابه، فلا ترتجف يداه أو قدماه من التوتر، ولا تكشف عيناه شيئاً عن عواطفه الحقيقية، بل يبدو وجهه أشبه بقناع جامد يخفي وراءه جميع أسراره. انطلاقاً من التفاصيل التي يعرضها رجال الشرطة عن القضية، من الواضح أنهم اكتشفوا جميع الخيوط الخفية وما عادوا يحتاجون إلا لاعترافٍ من "فالون". لكنه يرفض التجاوب معهم.

حين يتّضح للجميع أن هذه المقاربة غير نافعة، ترسل رئيسة المحققين "ناتالي هوبس" شرطياً آخر لتغيير الوضع. ثمة تاريخ شخصي مشترك بين الشرطي البديل والمتّهم، ويُقابَل هذا القرار ببعض الامتعاض لكن سرعان ما يتّضح أنه الحل المناسب. يُستبدَل "هوغو" بالشرطي "أوتاغير" الذي يتمتع بمظهر مخيف. يقول هذا الأخير للمتّهم إن هيئة المحلفين لن تتعاطف مع مظهره الصلب. تظهر نظرة مختلفة في عينَي "فالون" في تلك اللحظة بالذات، فيمسك بقلمٍ إلى جانبه ويتغيّر سلوكه. سرعان ما يبدأ بالتكلم.

هل قتل "فالون" ابنة زوجته؟ هو القاتل فعلاً لكنه كان يغتصبها أيضاً طوال الوقت. ربما قتلها خلال نوبة غضب لكنه كان يعرف ما يفعله، فقد تلاعب بمسرح الجريمة لإلقاء اللوم على المدرّب الذي كانت الفتاة تواعده. لو لم يلاحظ المحقق "هوغو" الضمادة على جسم الضحية، كان "فالون" لينجو بفعلته بسهولة ويتابع خداع الجميع نظراً إلى مهاراته التمثيلية الفائقة.

يثبت "إدغار فالون" أنه قاتل بارد الأعصاب ويجيد التلاعب بالآخرين خلال الاستجواب، لكننا سنقابل في الحلقتَين اللاحقتين أشخاصاً اضطروا لاتخاذ قرار صعب لحماية أحبائهم. حافظ "فالون" على هدوئه خلال نصف الاستجواب، لكن ستتغير الأجواء بالكامل حين تظهر "ستايسي" ولا تكف عن الكلام. تبدو هذه الشخصية قوية بعض الشيء ولا تتردد في الإجابة على الأسئلة. لن تحتاج المحققة "هوبس" إلى وقتٍ طويل لجعلها تعترف بالحقيقة. تسيطر المتّهمة على الوضع في بداية الاستجواب لكنها تبدأ بقضم أظافرها وهز ساقيها حين يتلو رجال الشرطة التفاصيل أمامها، فيزداد توترها بكل وضوح. هكذا يعرف المحققون أنهم يسيرون في الاتجاه الصحيح وسرعان ما تعطي جهودهم ثمارها. لكن تلاحظ "هوبس" لاحقاً أن القصة لا تقتصر على هذه التفاصيل الظاهرية، فتستجوب "ستايسي" مجدداً ويتبيّن أنها بريئة. كانت شقيقتها مسؤولة عن تسميم الضحية لكن قررت "ستايسي" لوم نفسها لحمايتها.

في قضية أخرى، سنتعرف على "جاي" الذي لم يكن يعلم ما سيتورط به حين بدأ عملاً جديداً. خلال الاستجواب، يقرر المتّهم عدم الاستعانة بأي محام. يعني ذلك أن أحداً لا يستطيع دفعه إلى التكلم أو أنه بريء.

في التفصيل، كان "جاي" يقود شاحنة مليئة بمهاجرين غير شرعيين ثم تركها في مكانٍ ما عند انكشاف أمره. يريد المحققون الآن أن يعرفوا مكان الشاحنة وظروف هؤلاء المهاجرين. في النهاية، يتبيّن أن "جاي" ليس شخصاً سيئاً. هو لم يكن يعرف محتوى الشاحنة، ما يعني أنه ليس متورطاً في التهريب غير الشرعي. لكنه لم يكشف موقع المركبة لأنه يرفض الإفصاح عن الأشخاص الذين تعامل معهم خوفاً على سلامة عائلته.

تبقى المناورات الذكية التي يقوم بها المحققون المعيار الثابت الوحيد في جميع القضايا. هم يدخلون إلى غرفة الاستجواب بعد الاستعداد لما ينتظرهم على أكمل وجه، ما يعني أنهم يعرفون الأوراق التي تفيدهم ويخفون المعلومات السرية عند الحاجة. سنشاهدهم وهم يرتجلون في جميع القضايا ويحاولون حل التفاصيل التي تزداد تعقيداً أحياناً. هم مضطرون للاتكال على حدسهم بقدر تدريباتهم وخبرتهم ويجب أن يتوخوا أعلى درجات الحذر في كلامهم وتصرفاتهم أمام المتّهمين.

يقدّم المسلسل إذاً قصصاً مشوّقة تشارك فيها مجموعة قوية من الشخصيات. لكن تنحصر الأحداث داخل غرفتَين، لذا يسهل أن نشعر بالاختناق ونرغب في انتهاء التحقيق في أسرع وقت. لن يزداد الوضع سهولة نظراً إلى التوتر الذي يطغى على الأجواء العامة. يبدأ المسلسل بقوة ثم يضعف قليلاً مع اقتراب النهاية، لكنه يحافظ على تماسكه رغم جميع تقلّباته. قد لا يتمكن المشاهدون من إنهائه دفعةً واحدة بسبب أجوائه الخانقة، لكنه يبقى عملاً ممتعاً ويستحق المشاهدة.