كتبت داني كرشي في "القرطاس نيوز":

كلام خطير وصادم، صدر قبل أسبوع عن نائب رئيس مجلس الأمن القومي الروسي دميتري مدفيديف، الذي تحدّث عن أنّ عالم ما بعد العقوبات على روسيا سيحمل معه متغيّرات، بدءًا من أزمة غذاء شاملة للعالم، مرورًا بالصراعات العسكرية الإقليمية، التي قد تندلع في المناطق التي لم يتمّ التوصُّل فيها الى حلول سلمية لسنوات طويلة، وصولًا إلى تصفية الحسابات الكبرى بين اللاعبين الدوليين الرئيسيين.

وبحسب مراقبين دوليين، فان كلام نائب رئيس مجلس الامن القومي الروسي، يؤكد أنّ موسكو ستقلب الطاولة عاجلًا أم آجلًا على كل من وقف حياديًا ولم يدافع عن فكرة الحفاظ على أمن روسيا القومي على حدودها مع أوكرانيا، وذلك عبر دعم دول وتنظيمات موازية في المعادلة السياسية للانتقام من كل من خيّب الآمال الروسية في الملف الاوكراني، وبشكل رئيسي إسرائيل، التي استغلّت الحرب لتوسيع مصالحها ونفوذها.

والأخطر من ذلك، هو حديث ميدفيديف عن عودة نشاط الإرهابيّين، استنادًا الى اعتقادهم بتحوُّل اهتمام السلطات الغربية الى المواجهة مع روسيا، وهو ما يؤكد أن الإرهاب سينشط وبكثافة عالية في القارة العجوز، بسبب دعم موسكو للمرتزقة التابعين لمنظمات إرهابية معروفة. 

وفي استكمال لتعداد النقاط الخطيرة، التي ستجوب العالم، لفت مدفيديف إلى أن هناك أوبئة جديدة، أخطر من كورونا، ستنتشر في العالم، خصوصًا في تلك الدول التي رفضت التعاون في المجال الصحي، أو تلك التي أسفرت في استخدام الأسلحة البيولوجية بشكل مباشر. 

هذه الرسائل الصادمة التي وجّهها مدفيديف إلى الغرب والإسرائيليين معهم، أثارت حالة من الرعب الشديد، في وقت يبحث العالم عن حلول للأزمات الغذائية بسبب ضعف أسعار الحبوب والقمح والأدوية والمحروقات، وهو ما طرح تساؤلات حول إمكانية روسيا في تجويع العالم ونشر الإرهاب، وقلب موازين اللعبة الجيوسياسية الكبرى. 

إلا أنّ خبيرًا في الشؤون الدولية أكد لـ"القرطاس نيوز"، أنّ كلام مدفيديف هو لتخفيف الاحتقان في الداخل الروسي، وغضب الشعب من حرب روسيا على أوكرانيا والاتحاد الأوروبي، التي كلّفت الدولة ثمنًا باهظًا.

ويلفت إلى أنّ "هذا التصريح هو لإظهار قوة موسكو، في وقت بدأ التململ ينتشر في أرجاء روسيا، التي من الواضح أن خسارتها المالية والاقتصادية ستكون مرتفعة جدًا، إزاء فشلها في تحقيق الأهداف المتوقعة من حربها على أوكرانيا". 

ويشدد الخبير على أنه "لا يمكن لروسيا نشر سياسة التجويع، حتى ولو أن تداعيات حربها أدت إلى رفع حدة أزمة المحروقات والغذاء التي أزعجت الدول الأوروبية، لأن الأخيرة قادرة على الخروج من الأزمات بأقل ضرر ممكن، خصوصًا وأنها مُعتادة على إيجاد الحلول المناسبة لعدم إبقاء شعوبها داخل دوّامة الفوضى المعيشية، عبر امتلاكها للعلاقات مع دول عدة، وعلى رأسها الصين". 

إذ، يشير إلى أن "أوروبا قادرة على استغلال علاقاتها مع بكين، عبر عقد اتفاقيات اقتصادية جديدة معها، لمنعها من الانجرار خلف حروب موسكو الوجودية، وهو أيضًا ما سيُساهم في ترتيب الشؤون والملفات الأميركية، لنزع فكرة تزعّم بكين للعالم، وتقييدها داخل قضايا حسّاسة من شأنها أن تحد من إمكانياتها في التغلغل شرقًا من دون موافقة واشنطن".

عدا عن ذلك، إن تصاريح مدفيديف تأتي بسبب غضب الشعب الروسي، يقول المصدر، حيث أن روسيا هي قارة بحدّ ذاتها، ويُمكن بسهولة إحداث انقلابات شعبية على السلطة، حتى وإن كان هناك مراقبة عالية للغاية على تحرّكات الناس وآرائهم المُدوّنة على الانترنت. إذ، يُمكن لأي شخص أن يدير الثورة من خارج القارة في الداخل الروسيّ.

وعن حديث بعض المراقبين حول قلب روسيا للطاولة على رأس إسرائيل، فيقول الخبير: إن هذا الكلام بعيد كل البعد عن الوضع الجيوسياسي للعالم، بحيث من غير الممكن أن تضرب موسكو تل أبيب، لأن ذلك سيؤدي إلى انتصار ايران في الشرق الأوسط، فضلًا عن المُمسكين بقرارات روسيا خلف الكواليس، هم يهود. وبالتالي هذا الكلام يفتقد الرؤية السليمة. 

ويختم: إسرائيل لديها محامون وشخصيات سياسية وعسكرية متغلغلة في العديد من دول القرار. وبالتالي، لا مصلحة لا لموسكو أو لغيرها، خصوصًا في المرحلة الحالية الحرجة، بإزعاجها لا من قريب ولا من بعيد، ولا حتى عبر الحلفاء الاستراتيجيين.