كتب الصحافي علي رياح:

كان المشهد عجيباً وخارجاً عن أية صورة مُسبقة في الخيال: حافلة المنتخب الأولمبي العراقي تشق طريقها بصعوبة بالغة وسط سيول الأمطار التي انهمرت .. التوقيت والمكان هنا مصدر العجب ، فنحن في الطريق المؤدية إلى الملعب الذي يتوسط مدينة أبها السعودية ، والزمان هو (آب) الذي يفترض أنه الشهر اللهاب!
من كان يتصور مشهدا كهذا في الجزيرة العربية؟ ومن سيصدقني حين كنت أبدأ رسالتي الصحفية بوصف لما أراه بأم العين؟ كنت اتساءل مع نفسي ثم أفكر بصوت عال مع الأصدقاء ناجح حمود رئيس الوفد وعدنان حمد مدرب المنتخب ومحمد خلف المدير الإعلامي ، ولكن كان علينا جميعا أن نطوي هذا اللون من الأسئلة كي نباشر التساؤل الأهم عن المدى الذي يمكن أن يذهب إليه هذا المنتخب الذي انتجه عدنان حمد ابتداءً من منتخب الناشئين مرورا بمنتخب الشباب بطل آسيا ، وصولا إلى هذا الفريق الذي يُعدّه لتصفيات دورة أثينا الأولمبية ، فنحن الآن في آب 2003 ، أي على بعد أربعة أشهر فقط من الزلزال السياسي والعسكري الذي شهده العراق ، وهذه هي أول مشاركة لمنتخب عراقي في بطولة خارجية بعد الحرب والاحتلال!
              *       *       *
ظهور جيل نشأت أكرم ويونس محمود ونور صبري ومهدي كريم وهوار ملا محمد وباسم عباس وحيدر عبد الأمير وأحمد مناجد وقصي منير وحيدر عبد الرزاق وسعد عطية وصالح سدير وعماد عودة وأحمد صلاح وفوزي عبد السادة وياسر رعد وحيدر صباح وغيرهم في بطولة الصداقة الدولية في أبها .. هذا الظهور يعود الفضل الوحيد فيه إلى نجمنا الراحل الخالد أحمد راضي الذي كان يشغل منصب نائب رئيس الهيئة المؤقتة لاتحاد الكرة وعلاقته الوثيقة بالحارس السعودي الأسبق أحمد عيد الذي كان يشغل وقتها منصب رئيس الاتحاد السعودي، وكان منجزا حقيقيا أن نشاهد منتخبنا وهو يلعب في بطولة تنظمها السعودية بعد غياب طويل عن مثل هذا المسرح!
نجح منتخبنا في تحقيق ظهور رائع ، بل في منتهى الروعة في هذه البطولة . استطيع القول إن هذه البطولة كانت هي المحرّك الحقيقي الذي غذى كل إمكانيات وآمال وفرص المنتخب في الصعود إلى أثينا .. كانت مباريات منتخبنا مصدر بهجة للجمهور السعودي ابتداءً من الثاني من آب يوم فاز على نظيره السعودي بهدف وحيد ، وانتهاء بالخامس عشر من الشهر ذاته حين حسم المباراة النهائية على حساب الأولمبي المغربي .. وبين الاستهلال والختام كانت نتائجنا الفوز على نادي النصر السعودي العتيد بخمسة أهداف لهدف والتعادل مع فريق فجر الإيراني والتعادل مع الأولمبي السنغالي والفوز على الأولمبي السوري بفارق ركلات الترجيح..
فاز العراق باللقب وكان موضع الاحتفال والاحتفاء والتكريم ، فرفع الكابتن المبدع نشأت أكرم الكأس ونال لقب أفضل لاعب في البطولة ، وحظي المنتخب بجائزة البطولة (60 الف دولار) ، وحصل نجمنا الكبير يونس محمود على لقب الهداف برصيد خمسة أهداف.
             *       *      *
في مثل هذا الموعد قبل سبع عشرة سنة ، كان هذا الوهج الأولمبي العراقي المبهر .. لكنه بقي وهجا منسيا بحكم كل الظروف التي كانت تحيط بالعراق وانشغال الجميع بتبعات الحرب والتصدي لموجات الإرهاب .. وهج استعيده اليوم تذكيرا بواحدة من أهم المحطات الخارجية التي أبدعت فيها الكرة العراقية وجيلها الذي تحوّل بعد أربع سنوات إلى بطل متوَّج لآسيا!