كتب الصحافي علي رياح:

نشهد تدفقاً هائلاً في (كـَـم) المعلومات التي يجري تصديرها إلى جمهور المُتلقـّين عبر القنوات الفضائية ووسائل التواصل الاجتماعي ووسائط النشر الإلكتروني التي تتطور على نحو متسارع عجيب.. وكلما ارتفع منسوب هذا الكم من المعلومات التي يرى أصحابها أنها وقائع ثابتة لا مجال أبدا للشك أو التشكيك بها، أدركت أننا في مأزق لا قدرة لفرد على التعاطي معه، خصوصا إذا كانت أية معلومة تتعلق بحدث عمره ربع أو نصف قرن وما يزيد، وسيتحول على الفور من واجهة الشاشة أو سطح الموبايل أو اللابتوب إلى بطون التاريخ، وستمرّ سنوات قليلة يصبح بعدها ما يقال تراثا مكتمل الجوانب، وينضم إلى الحقائق التي سيتعامل معها الباحثون والمؤرخون والمؤرشفون من دون مراجعة!

كثيراً ما أرى لاعبا أو مدرباً أو إدارياً وقد سرح بخياله وانتسب إلى أحداث أو نسب إلى نفسه بطولات في هذا الموضع التاريخي أو ذاك.. يمضي في روايته ولا يجد هنا غير مذيع يفتح عينيه على اتساع، ويصدر من العينين بريق الإعجاب، بينما هو – المذيع - لا يملك وهو على الهواء مباشرة إمكانية الرد أو التصحيح أو المراجعة.. وهنا تبدو الفرصة سانحة أمام الضيف للمضي في مَرويات أخرى من وحي الخيال.. وبعد دقائق فقط تكون (الحقائق) التي تطرق إليها الضيف حديث المجتمع الرياضي، وتنهال المواقع المختلفة فرزاً وتقطيعاً بالمونتاج لأقواله ويجري إبرازها على نحو منفرد.. وهكذا بات كلامه جزءا من الذاكرة العراقية! 
لا يكفي أن تكون نجما أو تدّعي النجومية، لكي يصبح ما تقوله صحيحا ودقيقا تؤكده الأحداث والوثائق، وليس شرطا أبدا أن تقترن المصداقية بالشهرة – قد تكون شهرة ناجمة عن سجل   طويل من الإساءات أو المشاكسات!
                  
المشكلة أن بعضنا تستهويه الكاميرا، وحين يجد نفسه مُحاطا بمصادر الإضاءة المبهرة في الاستوديوهات المكيّفة، يطلق العنان لقصصه المبتكرة في كل المسافات والأبعاد، فينسب لنفسه أفعالا أو بطولات لا صلة لها بالواقع!
تزداد مساحة هذه المشكلة حين تلعب وسائل التواصل الاجتماعي دورها الجارف في نقل المعلومة وإيصالها الى قطاع واسع من الناس.. وهكذا وبالتكرار يتحول الادعاء إلى معلومة، و(يكتسب) الموثوقية الكاملة ويصبح فيما بعد غير قابل للنفي، وهنا تبرز معضلة التصحيح بالتعامل مع معلومة لا أساس لها، وصلت الى الملايين، بينهم أغلبية لم تشهد الحدث ولم تعش وقائعه لأنه حدث يكبرها بمسافات زمنية بعيدة!
            
نحتاج إلى طرف ضامن قبل أن يضيع تاريخنا الرياضي الذي يمتد عمره إلى ما يزيد عن قرن من الزمان.. هذا الطرف ليس سوى مؤسسة رصينة لها مصداقية عالية تعمل على جمع شتات إرثنا الرياضي الذي يضيع منه كل يوم الصحيح والموثوق، ليضاف إليه المنسوب والمُنتحَـل والمُتخـيَّـل.. فرص كثيرة أهدرناها فيما مضى من وقت، ولا مناص من التحرك ولو متأخرين للحفاظ على ما يتبقى في السجلات والذاكرة!