كتبت كريستل شقير لـ “هنا لبنان”:

بذريعة “إقرارها أفضل من عدمه” أقرت موازنة الأمر الواقع والبعيدة كل البعد عن الواقع المالي والاقتصادي بحصولها على63 صوتاً فقط من أصل 128 نائباً ومعارضة 37 وامتناع 6 نواب عن التصويت وقد بُنيت أرقامها على احتساب الدولار الجمركي بقيمة 15 ألف ليرة وبلغ حجم النفقات في الموازنة 40873 مليار ليرة، أما الإيرادات فبلغت 29986 ملياراً.

كالسارق في وضح النهار تم تمرير الموازنة في أقصر جلسة نيابية يسجلها تاريخ إقرار الموازنات، ما يطرح التساؤلات وعلامات التعجب: فهل الغاية سياسية لإعادة الانتظام المالي عبر احترام المهل الدستورية وهم يتقنون فن الاجتهادات متى دعت الحاجة؟ أم الغاية مالية خوفاً من تعديلات قد تطرأ من شأنها التعديل في أرقام ونسب الضرائب والرسوم أيضاً خصوصاً وأن النقاش في الموازنة أتى بعد تأخير دام تسعة أشهر تخللتها خلافات بين الكتل النيابية حول عدد من البنود، أبرزها سعر صرف الدولار الجمركي الذي على أساسه تحتسب قيمة الرسوم والضرائب.

القراءات قد تتعدد في الأرقام لكن الكل يجمع على هشاشة هذه الموازنة وعدم مقاربتها الواقع المالي الاقتصادي المتأزم.

فهذه الموازنة غير صالحة ونحن نعيش خارج أي إطار قانوني حديث وفعّال يقول الخبير الاقتصاديّ ووزير الماليّة السابق جورج قرم في حديث إلى “هنا لبنان” منبّهاً إلى أن الموازنة بأسلوبها الغريب والعجيب جاءت أصلاً متأخرة في آخر فصل من السنة وأتت من دون قطع حساب عن السنة السابقة ما يعتبر مخالفة دستورية ويرى أنه وفق القواعد المالية العامة الأساسية يجب على الحكومة إقرار الأهداف التي تنوي بلوغها حيث يتولى الموظفون المسؤولون عن القطاعات الاقتصادية في البلد تفصيل الموازنة على شكل مشاريع تساهم في تنشيط الحركة الاقتصادية في البلاد وليس الذهاب نحو موازنة “عتيقة” تجاوزها العالم منذ زمن مشدداً على أهمية تحديد الأهداف، وضع برامج وتوظيف المسؤولين عن تنفيذها.

وفي الحديث عن أرقام الإيرادات والنفقات، يستغرب الزيادات الضريبية من دون الإتيان على ذكر الاستثمارات التي تنشّط الحركة الاقتصادية ويقول: لا فلس في الاستثمارات في أوج حاجة لبنان لها لإحياء الدورة الاقتصادية.

ورداً على سؤال عن مرور الموازنة مرور الكرام من دون أي تحرك نيابي، يجيب: كانت الاعتراضات معدودة ورئيس مجلس الوزراء قد قبل بها يبقى أن في تصويت 63 نائباً فقط عليها مؤشراً خطيراً مع تحذيره من مخاطر الاستهتار بالقواعد الدستورية والمالية المستمر.

وعن الدولار الجمركي ورفعه إلى 15 ألف ليرة يقول الوزير السابق جورج قرم إن إدارة الأزمة في البلد كارثية وهو ما يمكن استخلاصه أيضاً من رأي الخبراء الدوليين في هذا الشأن.

بعد أيام على إقرار الموازنة العامة، محطة ثانية في المخطط العام تمثلت بإعلان وزير المالية عن سعر صرف رسمي جديد للدولار على أساس 15 ألف ليرة لبنانية بدلا من 1507 ما اعتبره البعض بالون اختبار لجس نبض الشارع قبل أن تسارع جهات عدة إلى تدارك الوضع والبدء بتبريد الأجواء والتقليل من خطورة هذا الإجراء الكارثي في غياب أي خطة واضحة وشاملة.

يشار إلى أن أبرز ما تضمنته الموازنة العامة لعام 2022، زيادة رواتب موظفي القطاع العام المدنيين والعسكريين والمتقاعدين والمتعاقدين والأجَراء في الدولة بنسبة ضعفين على الراتب الأساسي على أن لا تقل الزيادة عن 5 ملايين لبنانية ولا تزيد عن 12 مليون وتعتبر هذه الزيادة محدودة الزمن ريثما تتم المعالجة النهائية لموضوع الرواتب ولا تُحتسب في تعويضات نهاية الخدمة أو المعاش التقاعدي.