اللافت في مؤتمر الشراكة لدعم العراق الذي عقد في العاصمة الأردنية عمان هو مشاركة وزير الخارجية الإيراني أمير عبداللهيان ودعوته الى حوار إستراتيجي بين دول المنطقة خاصة وإن طهران متهمة من دول عربية عدة بالتدخل في شؤونها الداخلية، ودعمها لقوى سياسية وتشكيلات عسكرية تساهم في بعض النزاعات المباشرة في حين إن معظم الملفات العالقة لم تحل بعد، وهي تؤثر في مسار الأحداث والنهايات التي يصعب توقعها، ومن غير المرجح أن يكون هذا المؤتمر حاسما لجهة تحقيق مكاسب جوهرية تتعلق بالشأن العراقي، ومايمكن تقديمه من دعم لبغداد.

حيث بدت مواقف الدول المشاركة متباينة ليس لجهة الإعلان عن دعم بغداد، ولكن لطبيعة تلك المواقف الداعمة. فالمملكة العربية السعودية، وعبر وزير خارجيتها عبرت عن رفض الإعتداءات التي يتعرض لها العراق، وهي تشير الى القصف التركي الإيراني لمناطق في إقليم كردستان العراق بحجة وجود مجاميع مسلحة كردية تهدد الأمن القومي للدولتين الكبيرتين.

المهم بالنسبة للعراقيين هو الإستمرار في المحاولة لتجاوز المرحلة الإنتقالية التي نتجت عن إحتلال أمريكي مباشر عام 2003 ومانتج عنه من كوارث سياسية وأمنية وإقتصادية، وتدخلات خارجية، وغياب للرؤية، وعدم إستقرار، وتهديد للأمن الإقليمي، وهذه المحاولات ترتبط بمواقف الدول العربية والإقليمية، ومواقف الدول الكبرى كالولايات المتحدة وشريكاتها الأوربية التي مثلت في مؤتمر بغداد 2 والتي ماتزال تعبر عن دعمها لإستقرار العراق، غير إن العقبة الكأداء في هذا السبيل هو عدم الوصول الى إتفاق دولي وإقليمي يضمن مصالح دول عدة لاتستطيع العبور الى المرحلة التالية، وهي غير واثقة من نتائج الصراع، وعدم الوثوق بالخصوم. فالجميع يتحين الفرصة لتحقيق مكاسب على الأرض خاصة وإن تنازل طرف لايضمن وجود تنازل مقابل، وهذا وحده كاف لدوام المشكلة، وإضعاف إحتمالات تحقيق فائدة فعلية للعراق الذي يبحث عن ظروف تتيح له النجاح في التحول من دولة مرهقة سياسيا وأمنيا وإقتصاديا الى دولة ناجحة، وتتمكن من الإنتقال الى مرحلة أفضل، وهذا مايدفع بمراقبين الى عدم الإفراط بالتفاؤل.
     التحولات في الصراع صادمة، ومعظم الدول تعاني من أزمات سياسية ومجتمعية وإقتصادية، مع إستمرار صراع الأقطاب، والحرب في أوكرانيا، وهذا الأمر يصعب إمكانية أن يكون هناك توافق كامل حول الملف العراقي، فتركيا وإيران شريكتان في رسم خارطة إقليمية جديدة، ودول الخليج ودول عربية أخرى ترى في إيران وتركيا تهديدا لأمنها القومي بسبب الطموحات المتعاظمة لهما، في حين لايثق الأمريكيون بالدور الإيراني، ويعدونه مقلقا حتى مع التقارب العربي مع روسيا والصين، وهما دولتان تربطهما بإيران مصالح مشتركة، ومواجهة مع واشنطن والغرب، ويمكن أن يكونا ضامنين لأي توافق، أو إتفاق محتمل بين دول عربية كالسعودية والإمارات مع إيران، ومثال ذلك الحوار بين طهران والرياض في بغداد، والعلاقات المتنامية بين الصين والدول العربية التي تأطرت بقمم الرياض الثلاث، ومانتج عنها من إتفاقيات إقتصادية مثلت تحولا صادما أثار حفيظة واشنطن التي تحاول جمع شتاتها  وتغيير بعض المسارات، وربما إعادة التموضع من أجل التحضير لمواجهة مقبلة، وهو هاجس لايغادر بقية البلدان التي دخلت في خضم صراع مستمر لاتعرف له نهاية واضحة خاصة وإن الأزمات ماتزال تتصاعد، والظروف غير مواتية لحلول نهائية للملفات العالقة، وربما لن تستفيد بغداد حاليا، ولكنها ترمي لتحقيق مكاسب تؤهل لوضع جديد مختلف يقوي من موقفها في المستقبل ويساعد في إستعادة دور محوري في المنطقة والعالم.